أهمية التكرار في            تعلّم الطفل                 المبكر

يمثل التعلّم في السنوات الأولى من حياة الطفل حجر الأساس لنموه العقلي واللغوي والعاطفي. وفي هذه المرحلة الحساسة، يعد التكرار من أكثر الأساليب التعليمية فاعلية وتأثيرًا. إذ لا يقتصر دوره على حفظ المعلومات فحسب، بل يساهم في ترسيخ المفاهيم، وتعزيز الثقة بالنفس، وتحفيز النمو المعرفي لدى الطفل. فما هو سر قوة التكرار في التعليم المبكر؟ ولماذا يوصي به خبراء التربية؟ هذا ما سنستعرضه بالتفصيل في هذا المقال.

ما هو التكرار في التعلم؟

التكرار في سياق التعلم يعني تقديم نفس المعلومات أو الأنشطة أو المهارات بشكل متكرر للطفل، سواء من خلال الكلام أو اللعب أو الأغاني أو القصص أو التجارب اليومية. وقد يكون التكرار مباشرًا، كأن يُطلب من الطفل إعادة نفس الكلمة أو الجملة، أو غير مباشر كأن يتعرض لنفس الفكرة في سياقات متعددة.

كيف يساعد التكرار في تعلم الطفل؟

1. تعزيز الذاكرة طويلة المدى

عقل الطفل في سنواته الأولى يتطور بسرعة، لكنه لا يزال يبني روابط عصبية جديدة. التكرار يساعد في تقوية هذه الروابط، مما يجعل المعلومات تنتقل من الذاكرة قصيرة المدى إلى طويلة المدى. فعندما يسمع الطفل الكلمة أو الجملة نفسها مرات متكررة، يبدأ في التعرف عليها وتخزينها بشكل أعمق، مما يسهل عليه استرجاعها لاحقًا.

2. تطوير المهارات اللغوية

تعلم اللغة يعتمد إلى حد كبير على التكرار. فالطفل يتعلم من خلال سماع الكلمات والجمل أكثر من مرة وفي سياقات متعددة. التكرار يعزز الفهم، ويساعد الطفل على ربط الكلمات بمعانيها. كما يسهم في تحسين النطق وتوسيع الحصيلة اللغوية، إذ يكتسب الطفل تدريجيًا التراكيب اللغوية السليمة.

3. تعزيز الشعور بالأمان والثقة بالنفس

عندما يتعرض الطفل لتجربة مألوفة ومتكررة، يشعر بالأمان لأنه يعرف ما يتوقعه. هذا الإحساس بالروتين والاعتياد يزرع في نفسه الطمأنينة ويقلل من التوتر. كما أن تمكنه من أداء المهام التي تدرب عليها مرارًا يمنحه شعورًا بالإنجاز، مما يعزز ثقته في قدراته.

4. تحسين التركيز والانتباه

من خلال التكرار، يتعلم الطفل الانتباه للتفاصيل. فكل مرة يكرر فيها النشاط أو المعلومة، قد يلاحظ شيئًا جديدًا أو يفهم جانبًا مختلفًا. هذا التكرار المنظم يدرب الدماغ على التركيز والانتباه لفترات أطول، وهي مهارات ضرورية للنجاح الدراسي لاحقًا.

5. تعلم من خلال اللعب

اللعب هو الأداة الأقوى في تعليم الأطفال، والتكرار فيه يتم بطريقة طبيعية. فعندما يطلب الطفل إعادة نفس اللعبة أو الأغنية أو القصة، فهو في الواقع يعزز ما تعلمه سابقًا. هذه الطريقة اللطيفة والمسلية في التكرار تجعل التعلم أكثر فعالية واستمرارية.

دور الوالدين والمعلمين في استخدام التكرار بفعالية

التكرار لا يعني التكرار العشوائي أو الممل، بل يتطلب أسلوبًا ذكيًا وتدريجيًا يناسب مستوى الطفل. يمكن للوالدين والمعلمين اعتماد التكرار بطرق متنوعة مثل:

• تكرار نفس الكلمة أو الجملة في سياقات متعددة.
• إعادة قراءة نفس القصة مع مناقشة تفاصيلها.
• تكرار الأغاني التعليمية والحركات المصاحبة لها.
• تشجيع الطفل على إعادة الأنشطة اليومية بطريقة مستقلة.
• تقديم نفس المفهوم عبر وسائل حسية متعددة مثل السمع، والبصر، واللمس.

أخطاء شائعة يجب تجنبها

على الرغم من فوائد التكرار، إلا أن استخدامه بشكل غير مدروس قد يؤدي إلى نتائج عكسية. إليك أبرز الأخطاء التي ينبغي تجنبها:

• الإفراط في التكرار حتى يشعر الطفل بالملل: يجب مراعاة توقيت التكرار وتنوع الأسلوب.
• الضغط على الطفل لإعادة النشاط رغم عدم رغبته: من الأفضل أن يكون التكرار نابعًا من رغبة الطفل، أو يُقدّم في سياق مرح.
• عدم التنويع في الوسائل: تكرار نفس الفكرة بوسائل مختلفة أكثر فاعلية من مجرد إعادة الشيء نفسه.

التكرار كجزء من الروتين اليومي

من المهم دمج التكرار ضمن أنشطة الطفل اليومية. فمثلاً:

• يمكن تكرار الكلمات أثناء تناول الطعام (اسم الأدوات، الأطعمة).
• إعادة ترتيب الألعاب مع تسمية الألوان أو الأشكال.
• تكرار جمل محددة أثناء ارتداء الملابس.
• استخدام الأناشيد المتكررة أثناء تنظيف الأسنان أو غسل اليدين.

كل هذه التكرارات اليومية تعزز التعلم دون أن يشعر الطفل بأنه يتلقى دروسًا مباشرة.

الخلاصة

التكرار ليس مجرد وسيلة لتكرار المعلومة، بل هو استراتيجية أساسية في بناء عقول الأطفال. من خلاله، يكتسب الطفل المعرفة، ويطوّر مهاراته، ويعزز ثقته بنفسه. عند استخدام التكرار بشكل ذكي ومتوازن، يتحول إلى أداة تعليمية فعالة تنمّي قدرات الطفل وتمنحه بداية قوية في مسيرته التعليمية.

إن إدراك أهمية التكرار في تعلم الطفل المبكر يفتح الباب أمام الوالدين والمربين لاستخدامه بطرق متنوعة وممتعة، مما يساهم في بناء جيل أكثر وعيًا واستعدادًا للمستقبل