الفرق بين التعلم بالحفظ والتعلم بالفهم لدى الطفل: أيهما الأفضل لتنمية عقل الطفل؟
في عالم التعليم الحديث، أصبح من الضروري فهم الطرق المختلفة التي يتعلم بها الأطفال. من بين هذه الطرق، يبرز مفهومان رئيسيان: التعلم بالحفظ والتعلم بالفهم. وبينما كان الحفظ هو الأسلوب السائد لعقود طويلة، بدأت الدراسات والأبحاث التربوية الحديثة تشير إلى أن الفهم العميق للمعلومة هو السبيل الأفضل لتكوين عقل ناقد ومبدع لدى الطفل. في هذا المقال، نستعرض الفروقات الأساسية بين هذين النمطين، ونوضح تأثير كل منهما على نمو الطفل العقلي والمهاري، كما نناقش كيف يمكن للآباء والمعلمين تعزيز أسلوب التعلم الأمثل.
ما هو التعلم بالحفظ؟
التعلم بالحفظ هو عملية تعتمد على تكرار المعلومة حتى يتم تخزينها في الذاكرة قصيرة أو طويلة المدى. يركز هذا الأسلوب على تكرار الكلمات، التعاريف، أو القواعد دون ضرورة فهم المعنى العميق وراءها. في الغالب، يتم استخدام الحفظ في المدارس لتحفيظ الأطفال جدول الضرب، أو آيات من القرآن الكريم، أو قواعد اللغة.
مزايا التعلم بالحفظ
رغم الانتقادات الموجهة إليه، لا يمكن إنكار أن الحفظ له بعض الفوائد، منها:
السرعة في استرجاع المعلومات: يمكن للطفل أن يجيب بسرعة على أسئلة تقليدية مثل "ما عاصمة فرنسا؟" لأنه يحفظ المعلومة عن ظهر قلب.
أساسي في بعض المراحل: في السنوات الأولى، يُعد الحفظ مهمًا لتعلم الكلمات والمفردات، خاصة في اللغات أو العلوم الدينية.
التحضير للامتحانات التقليدية: أنظمة التعليم التي تركز على الامتحانات تتطلب من الطالب أحيانًا الاعتماد على الحفظ لنيل درجات عالية.
عيوب التعلم بالحفظ
ومع ذلك، فإن التركيز الزائد على الحفظ له سلبيات واضحة:
نقص الفهم العميق: الطفل يحفظ دون أن يفهم، ما يؤدي إلى ضعف في القدرة على ربط المعلومات أو تطبيقها في مواقف جديدة.
سهولة النسيان: المعلومات المحفوظة دون فهم تُنسى بسرعة، خصوصًا بعد انتهاء الامتحان.
غياب التفكير النقدي: الحفظ لا يعزز مهارات التفكير، التحليل، أو حل المشكلات، وهي مهارات أساسية في الحياة العملية.
ما هو التعلم بالفهم؟
على النقيض من الحفظ، فإن التعلم بالفهم يعني أن الطفل يدرك سبب وكيفية حدوث الشيء، ويستطيع شرح المعلومة بلغته الخاصة وربطها بخبرات سابقة. هذا النوع من التعلم يجعل الطفل يفكر، يسأل، ويبحث عن إجابات.
مزايا التعلم بالفهم
تعزيز التفكير النقدي: الفهم يشجع الطفل على طرح الأسئلة وتحليل الإجابات، مما يطور مهارات التفكير العليا.
ثبات المعلومات لفترة أطول: عندما يفهم الطفل المعلومة، تصبح أكثر ترسخًا في ذاكرته.
القدرة على التطبيق: الفهم يمكن الطفل من استخدام المعرفة في مواقف مختلفة، سواء داخل الفصل أو خارجه.
تحفيز الإبداع: الأطفال الذين يفهمون ما يتعلمونه غالبًا ما يكونون أكثر إبداعًا وابتكارًا في حل المشكلات.
عيوب التعلم بالفهم
رغم فوائده العديدة، إلا أن التعلم بالفهم قد يواجه تحديات مثل:
يأخذ وقتًا أطول: يتطلب شرحًا، أمثلة متعددة، ووقتًا كافيًا للمناقشة والاستيعاب.
يحتاج إلى بيئة تعليمية محفزة: الفهم لا يمكن تحقيقه في بيئة تركز على التلقين والتكرار فقط.
الفرق الجوهري بين الحفظ والفهم
الفرق الأساسي بين التعلم بالحفظ والتعلم بالفهم هو أن الأول يُخزن المعلومات في الذاكرة بدون ضرورة لمعرفة معناها، بينما الثاني يعزز إدراك الطفل للمعلومة ويجعله قادرًا على استخدامها بطريقة مرنة. الفهم يبني قاعدة معرفية متينة يمكن تطويرها لاحقًا، أما الحفظ فهو غالبًا ما يكون مؤقتًا وسهل التآكل بمرور الوقت.
أي الأسلوبين أفضل لتنمية عقل الطفل؟
الإجابة المثالية هي الموازنة الذكية بين الحفظ والفهم. فبينما لا يمكن الاستغناء تمامًا عن الحفظ في بعض المراحل أو المواد، إلا أن التركيز على الفهم هو ما ينمي عقل الطفل ويعده لمستقبل يتطلب مهارات تحليلية ومعرفية متقدمة. على سبيل المثال، يمكن تعليم الطفل قاعدة رياضية ثم تدريبه على فهم تطبيقها في مسائل حياتية، وليس فقط حفظها نظريًا.
كيف يمكن للوالدين والمعلمين دعم التعلم بالفهم؟
استخدام الأسئلة المفتوحة: اسأل الطفل "لماذا تعتقد أن ذلك حدث؟" بدلاً من "ما هو الجواب؟".
الربط بالحياة اليومية: اربط المعلومات بحياة الطفل حتى يفهم الهدف من التعلم.
تشجيع البحث والاستكشاف: استخدم القصص، التجارب، والمشاريع الصغيرة لتشجيع الفهم.
عدم التسرع في النتائج: امنح الطفل الوقت الكافي للفهم قبل الانتقال لموضوع جديد.
خلاصة
التعلم بالحفظ والفهم كلاهما أدوات تعليمية، لكن لكل منهما استخدامه الأمثل. إذا أردنا تنشئة جيل مبدع، ناقد، ومفكر، فيجب أن نمنح الفهم الأولوية في العملية التعليمية، مع دعم الحفظ في سياقات محددة. الفهم يصنع عقلًا حيًا قادرًا على التكيف والتطور، وهذا هو ما يحتاجه الطفل لمواجهة تحديات العالم الحديث.
تعليقات
إرسال تعليق