التربية بالمشاركة: كيف تُشرك الطفل في قراراته؟
في ظل التغيّرات المتسارعة في مفاهيم التربية الحديثة، لم تعد التربية قائمة على الأوامر الصارمة والطاعة العمياء، بل أصبح من الضروري إشراك الطفل في قراراته وتعليمه تحمّل المسؤولية منذ سنٍّ مبكرة. تُعرف هذه المقاربة بـ"التربية بالمشاركة"، وهي أسلوب يُعزز من ثقة الطفل بنفسه، وينمي لديه مهارات التفكير النقدي واتخاذ القرار، ويؤسس لعلاقة صحية بين الوالدين وأطفالهم.
في هذا المقال، سنتناول بعمق مفهوم التربية بالمشاركة، وأهميتها في بناء شخصية الطفل، وكيف يمكن للآباء والأمهات تطبيق هذا النهج بشكل عملي وفعّال في الحياة اليومية.
ما المقصود بالتربية بالمشاركة؟
التربية بالمشاركة هي أسلوب تربوي يهدف إلى تمكين الطفل من المساهمة في اتخاذ القرارات التي تمس حياته اليومية، بحسب عمره ودرجة نضجه. وهي لا تعني التخلي عن دور الأبوين، بل تعني مشاركتهما للطفل في التفكير والاختيار، بدلاً من فرض القرارات عليه. هذا الأسلوب يُشعر الطفل بأنه عضو مهم في العائلة، ويُعزز لديه روح المبادرة والانتماء.
فوائد التربية بالمشاركة
-
تنمية الشعور بالمسؤولية:
عندما يُمنح الطفل فرصة اتخاذ قراراته، يتعلم تحمّل نتائج اختياراته، سواء كانت إيجابية أو سلبية. -
تعزيز الثقة بالنفس:
الشعور بأن رأيه مسموع ومهم يجعله أكثر ثقة بقدراته وتفكيره. -
تحسين مهارات التواصل:
المشاركة في الحوار والنقاش يُنمي لديه مهارات الاستماع والتعبير عن الرأي. -
بناء علاقة صحية بين الأهل والطفل:
عندما يشعر الطفل بالتقدير والاحترام، يصبح أكثر تقبلاً للتوجيه والنصح. -
الاستقلالية في التفكير:
يساعد هذا الأسلوب الطفل على التفكير المنطقي وحل المشكلات، بدلاً من انتظار التعليمات.
كيف تُشرك الطفل في قراراته؟
إليك خطوات عملية ومجربة لتطبيق التربية بالمشاركة:
1. ابدأ بخيارات بسيطة
ابدأ بإعطاء الطفل اختيارات محددة تتناسب مع عمره، مثل:
– هل تُفضل ارتداء القميص الأزرق أم الأحمر؟
– هل نأكل الغداء الآن أم بعد نصف ساعة؟
هذه الأسئلة تُعطي الطفل إحساسًا بالتحكم، وتُدرّبه على اتخاذ القرار دون تحميله عبء الاختيارات المعقدة.
2. استمع له باهتمام
الاستماع الفعّال يُشعر الطفل بأهميته. عندما يطرح رأيًا، لا تُقاطعه، بل حاول فهم وجهة نظره. حتى لو لم توافق على رأيه، بيّن له أنك تحترم تفكيره.
3. ناقش القرارات الكبرى معه
في الأمور التي تخص الأسرة أو تخصه شخصيًا، مثل اختيار نشاط ما، أو تنظيم وقت الدراسة، استشيره واطرح عليه الأسئلة مثل:
– ما رأيك أن نحدد معًا وقتًا للترفيه بعد الدراسة؟
– ما النشاط الذي تحب أن تمارسه في العطلة؟
4. اسمح له بتجربة النتائج
إذا كان قراره آمنًا ولا يشكل خطرًا، دعه يجرب ويتعلم. التجربة خير معلّم. مثلاً، إذا قرر ألا يرتدي المعطف في يوم بارد، يمكنك السماح له بذلك لبعض الوقت ليدرك أهمية القرار الصحيح دون ضرر.
5. علمه كيفية اتخاذ القرار
اشرح له كيفية تقييم الخيارات، ووزن الإيجابيات والسلبيات. على سبيل المثال، ساعده على فهم أن تأجيل الدراسة قد يمنحه وقتًا للعب، لكنه سيؤدي إلى توتر قبل الامتحان.
6. قدّم قدوة حسنة
الأطفال يتعلمون من سلوك آبائهم. عندما يرونك تُشركهم وتُشرك الآخرين في اتخاذ القرارات، سيتعلمون أن المشاركة قيمة إنسانية مهمة.
متى لا يجب مشاركة الطفل في القرار؟
رغم أهمية المشاركة، هناك مواقف تتطلب الحسم من الأهل، خاصة في حالات الخطر أو عندما يكون القرار فوق قدرة الطفل على الاستيعاب. في هذه الحالة، يمكنك شرح السبب له، ليشعر بالاحترام والطمأنينة، حتى وإن لم يُشارك في اتخاذ القرار.
خاتمة
التربية بالمشاركة ليست رفاهية، بل هي ضرورة لتنشئة طفل مستقل، واثق من نفسه، قادر على خوض الحياة بثقة ووعي. عندما نشرك الطفل في قراراته، فإننا لا نمنحه فقط فرصة للنمو، بل نزرع فيه قيمًا سترافقه طوال حياته. وكل لحظة تُخصصها للاستماع إليه ومناقشته، هي استثمار حقيقي في مستقبله.
ابدأ اليوم بخطوة بسيطة: استشِر طفلك في قرار صغير، وانظر كيف سيضيء وجهه بالشعور بالثقة والمسؤولية.
تعليقات
إرسال تعليق